السؤال: ما حكم من يعطي امرأة حبوب لإجهاض الحمل مع العلم ان هذه المرأة الحامل في الشهر الخامس أو السادس وهل إذا أعطاها هذه الحبوب هل يعتبر قاتل ويقام عليه الحد وماذا يترتب عليه من كفارة في حال التوبة ؟ وما هو الحكم في هذه المرأة مع العلم أن هذا الحمل من زوجها ولكنها تريد الطلاق منه ولها منه ولد ولا تريد منه ابناً آخر؟ وما الحكم إذا كان من غير زوجها؟
الجواب:
أجمع فقهاء المذاهب الإسلامية من السنة ، على حرمة قتل الجنين بعد نفخ الروح - أي بعد مرور مائة وعشرين يوماً منذ التلقيح - ولا يجوز قتله بأي حال من الأحوال إلا إذا كان استمرار الحمل يؤدي إلى وفاة الأم .
والخلاف بين الفقهاء في حكم الإجهاض في الفترة السابقة لنفخ الروح ، أما بعد نفخ الروح فكل الفقهاء مجمعون على أن الجنين قد أصبح إنساناً ونفساً لها احترامها وكرامتها ، وقد قال الله تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم ... ) الإسراء/70 ، وقال سبحانه : ( من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ... ) المائدة/32 .
وقد نقل الإجماع على حرمة الإجهاض بعد نفخ الروح الفقيه المالكي ابن جزي في قوانينه الفقهية حيث قال : " وإذا قبض الرحم المني لم يجز التعرض له ، وأشد من ذلك إذا تخلق ، وأشد من ذلك إذا نفخ فيه الروح فإنه قتل نفس إجماعاً " القوانين الفقهية/141 .
وكذلك ما جاء في نهاية المحتاج : " ... ويقوى التحريم فيما قرب من زمن النفخ لأنه جريمة ، ثم إن تشكل في صورة آدمي وأدركته القوابل وجبت الغرة " نهاية المحتاج/8/442 .
ونص صاحب البحر الرائق على أن الجنين الذي ظهر بعض خلقه بأنه يعتبر ولد ، وصاحب البناية يقول : ( لا يجوز التعرض للجنين إذا استبان بعض خلقه ، فإذا تميز عن العلقة والدم أصبح نفساً ، ولا شك بأن حرمة النفس مصونة بالإجماع ، وبنص القرآن الكريم .
وهكذا يتبين لنا أن الإجهاض بعد نفخ الروح ، هو جريمة لا يجوز الإقدام عليها إلا في حالة الضرورة القصوى المتيقنة لا المتوهمة ، وإذا ثبتت هذه الضرورة ، وهي ما إذا كان بقاء الجنين خطراً على حياة الأم ، علماً أنه مع تقدم الوسائل الطبية الحديثة ، والإمكانيات العلمية المادية المتوفرة الآن ، أصبح الإجهاض لإنقاذ حياة الأم أمراً نادر الحدوث جداً .
أما إذا كان الحمل من زنا فقد ذكر العلماء ما يلي :
لقد تركزت جهود الفقهاء واجتهاداتهم حول الإجهاض بصفة عامة وحكمه وما يترتب عليه ولم يهتموا بالدخول في تفاصيل ما إذا كان الحمل ناشئاً من سفاح ، ذلك ربما يكون لأنهم اعتبروه مشاركاً أو تابعاً لحكم الإجهاض الناشئ من نكاح صحيح ، فإذا كان إجهاض الحمل الناشئ من نكاح صحيح محرماً في الحالة العادية ، فإنه من باب أولى يكون أشد تحريماً في حالة نشوء الحمل من سفاح ، لأن في إباحة الإجهاض من سفاح تشجيعاً للرذيلة ولنشر الفاحشة ، ومن قواعد الإسلام أنه يحرم الفاحشة وكل الطرق التي تؤدي إليها ، كحرمة التبرج والاختلاط .
بالإضافة إلى أنه لا يضحى بجنين برئ لا ذنب له من أجل ذنب اقترفه غيره ، وقد قال الله تعالى : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) الإسراء/15 .
ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رد الغامدية وهي حامل من زنى حتى تلد ثم بعد الولادة حتى ترضعه وتفطمه ، وقد عادت بالصبي ومعه كسرة خبز ، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم الصبي إلى رجل من المسلمين ، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها ، وأمر الناس فرجموها ، وقد قال الإمام النووي في هذا الحديث : ( لا ترجم الحبلى حتى تضع سواء كان حملها من زنى أو غيره ، وهذا مجمع عليه لئلا يقتل جنينها ، وكذا لو كان حدها الجلد وهي حامل لم تجلد بالإجماع حتى تضع ) صحيح مسلم بشرح النووي 11/202 .
فهذه الواقعة تبين لنا مدى اهتمام الشريعة بذلك الجنين ولو كان من زنى ، حيث أخر النبي صلى الله عليه وسلم إقامة الحد على أمه حفاظاً على حياته .
فهل يتصور أن يبيح الشارع قتل الأجنة بالإجهاض في سبيل تحقيق رغبات أهل الأهواء والشهوات ؟.
بالإضافة إلى أن الذين قالوا بإباحة الإجهاض في حالة الحمل الصحيح خلال الأربعين يوماً الأولى من الحمل قد أخذوا برخصة مشروعة أفضى إليه اجتهادهم ، مثل الفطر في رمضان لأصحاب الأعذار ، وقصر الصلاة الرباعية في السفر ، إلا أنه من المقرر شرعاً أن الرخص لا تناط بالمعاصي .
يقول الإمام القرافي : " فأما المعاصي فلا تكون أسباباً للرخص ، ولذلك العاصي بسفره لا يقصر ولا يفطر ، لأن سبب هذين السفر ، وهو في هذه الصورة معصية ، فلا يناسب الرخصة ، لأن ترتيب الترخيص على المعصية سعى في تكثير تلك المعصية بالتوسعة على المكلف بسببها " الفروق 2/33 .
وهكذا فإن قواعد الشريعة الإسلامية لا ترخص للحامل من زنى بما تجعله رخصة للحامل من نكاح صحيح حتى لا تعان على معصيتها ، ولا تيسر لها سبل الخلاص من فعلتها الشنيعة هذه .
بالإضافة إلى أن الجنين في هذه الحالة يكون فاقداً لولاية الوالدين ، لأن الأب في الشرع لا يطلق إلا على من استولد امرأة من نكاح صحيح ، وذلك جزء من معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ) رواه البخاري ومسلم ، ويكون ولي الجنين في هذه الحالة هو السلطان - ولي الأمر - فهو ولي من لا ولي له ، وتصرف السلطان منوط بالمصلحة ، ولا مصلحة في إزهاق روح الجنين في سبيل المحافظة على مصلحة الأم ، لما في ذلك من تشجيع لها ولغيرها على ممارسة هذه الفعلة الشنيعة .
ويمكن اللجوء إلى إسقاط الجنين للزانية التي وقعت في هذه الفعلة الشنيعة ، وأرادت التوبة الصادقة ، مع الخوف الشديد وهي قاعدة كبرى من قواعد الشريعة الغراء ، شريطة أن يتم ذلك في الأيام الأولى من الحمل ما استطاعت إلى ذلك ، وأن تعطى الفتوى لكل حالة على حدة لا أن تكون الفتوى عامة حتى لا تستغل هذه الرخصة في جوانب متسعة مما يؤدي إلى إشاعة الرذيلة في المجتمع المسلم . والله أعلم .
من كتاب أحكام الجنين في الفقه الإسلامي لعمر بن محمد بن إبراهيم غانم .
أضيفت في: 2008-07-05 05:20:48
المفتي / الشيخ:
محمد الثبيتي
أضيفت بواسطة :
الشيخ : محمد الثبيتي
5142 ـ عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها - البخاري.